تقول الكاتبة نسرين مالك إن زعماء العالم يعقدون مؤتمرات وقمم عاجلة في محاولة لمواجهة الاضطراب الذي أحدثته سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وتداعيات الضربة الإسرائيلية الأخيرة ضد قادة حماس في الدوحة. فقد مثّل الهجوم انتهاكاً هائلاً لسيادة دولة تُعد حليفاً أساسياً لواشنطن وركيزة لمحادثات السلام المتعلقة بغزة. وسارع قادة الخليج إلى إظهار التضامن، إذ وصل رئيس الإمارات محمد بن زايد في زيارة غير مقررة إلى الدوحة ليعانق أمير قطر في مشهد يصعب تصوره قبل أعوام قليلة حين كانت أبوظبي والدوحة على طرفي نزاع مرير. أما السعودية، الخصم القديم لقطر، فدعت إلى “رد عربي وإسلامي ودولي لمواجهة العدوان” وإلى التصدي لـ “الممارسات الإجرامية الإسرائيلية”. وفي اليوم التالي، اتجه رؤساء دول عربية وإسلامية إلى الدوحة للمشاركة في قمة طارئة.
وتشير الصحيفة البريطانية إلى أن مشهداً موازياً برز قبل أسبوع واحد فقط في تيانجين بالصين، حيث التقى قادة الهند وروسيا والصين في قمة أظهرت دفئاً سياسياً غير مألوف. انعقدت القمة بعدما أدار ترامب ظهره لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي. فبعد انتخابه للمرة الثانية، استقبل ترامب مودي بحرارة واصفاً إياه بـ “الصديق العظيم”، واتفق الجانبان على مضاعفة التبادل التجاري ليصل إلى نصف تريليون دولار بحلول 2030. لكن ترامب انقلب سريعاً، وفرض رسوماً جمركية بنسبة 50% على واردات الهند، ثم ضاعفها عقاباً على شراء نيودلهي النفط الروسي. ولم يكتف بذلك، بل وصف الاقتصاد الهندي بـ “الميت”، وعلّق على قمة تيانجين قائلاً: “يبدو أننا فقدنا الهند وروسيا لمصلحة أعمق ظلمات الصين”. ويضغط الآن على الاتحاد الأوروبي لفرض رسوم تصل إلى 100% على الهند والصين.
قبل أشهر قليلة فقط من الهجوم الإسرائيلي على الدوحة، أثنى ترامب على علاقته بقطر خلال زيارة للعاصمة القطرية، قائلاً: “لنشكر الله على نعمة هذه الصداقة”. لكن، وفق الكاتبة، صار لقب “صديق ترامب” إشارة إلى خطر قادم أكثر من كونه ضمانة لعلاقة مستقرة. مواقف الغضب والتضامن التي تبديها هذه الدول تحمل رسائل موجهة لواشنطن أكثر مما تعكس خصومة مباشرة، فهي محاولات لإظهار أن خياراتها مفتوحة وأنها ليست تابعة بالكامل. في الوقت ذاته، تسعى تلك الدول للحفاظ على سمعتها الإقليمية وعدم الظهور بمظهر الضعيف أمام شعوبها.
وترى الكاتبة أن هذه الاجتماعات ليست مجرد عروض سياسية، بل أيضاً محاولات حقيقية لاختبار تحالفات جديدة. فترامب، وكذلك نتنياهو، يتصرفان كما لو أنهما “صانعا أسعار” قادران على فرض الشروط من دون ردع. إسرائيل تضرب حيث تشاء، والولايات المتحدة تخرق الاتفاقات الأمنية وتفرض قيوداً اقتصادية صارمة، والعالم يبدو عاجزاً عن الرد. لكن المبالغة في استغلال هذه المكانة تدفع الآخرين إلى البحث عن بدائل وطرق للتكيف مع واقع جديد أقل استقراراً.
وتضيف الكاتبة أن الاعتراض على السياسات الأميركية والإسرائيلية لا ينبع من رفض لقوتهما العسكرية، بل من طبيعة السلوك المتهور. دول الخليج على وجه الخصوص لم تدخر جهداً في استرضاء واشنطن والتقارب مع إسرائيل، إلا أن تصرفات ترامب غير المتوقعة وسياسات إسرائيل المتصاعدة دفعت هذه الدول إلى التفكير بجدية في إعادة ترتيب أوراقها. المثير أن الإمارات، الموقعة على اتفاقيات أبراهام للتطبيع، وجهت انتقادات علنية غير مسبوقة لإسرائيل بعد ضربتها لقطر.
هذا التحول يلقي بظلاله على مستقبل تلك الاتفاقيات. في قمة تيانجين، دعت الصين إلى استغلال “الأسواق الضخمة” لأعضاء منظمة شنغهاي للتعاون لتعزيز التجارة والاستثمار، وأعلنت مبادرة لـ “الحوكمة العالمية”، في محاولة واضحة لتقديم نفسها كراعٍ لنظام عالمي بديل. وحضرت القمة دول مثل تركيا ومصر، اللتين تواجهان أيضاً ضغوطاً سياسية واقتصادية مرتبطة بأزمات المنطقة.
وتؤكد الكاتبة أن القلق من تقلبات ترامب تحوّل إلى قناعة راسخة بأن الاعتماد المفرط على إدارته يشكّل خطراً مباشراً. أي صفقة تجارية أو سياسية لا قيمة لها إذا لم تُحترم، وهذا المبدأ الذي يتجاهله ترامب ينسف أساس التعامل معه. أما في ما يتعلق بإسرائيل، فقد فقدت القدرة على جذب العرب بالوعود والوساطات الأميركية، لأن ترامب لا يملك الصبر أو الجدية لإدارة صراع طويل ومعقد. في نظر الكاتبة، يظهر ترامب كإمبراطور متقلب وكسول يجلس فوق ركام دولة غارقة في الأزمات والعنف.
وتوضح الصحيفة أن إعادة الاصطفاف العالمي ما تزال في بداياتها، بطيئة وصعبة، لكنها تحمل إمكانات كبيرة لإحداث تغييرات عميقة في ميزان القوى. كثير من الدول المرتبطة بواشنطن اقتصادياً وعسكرياً تجد نفسها اليوم بين خيارين: إما تسليم سيادتها بالكامل لنزوات ترامب، أو البحث عن طرق لتعزيز استقلالها من دون أن تتحول إلى عدو مباشر للولايات المتحدة. ورغم الحذر في رسم هذه المسارات، إلا أن السرعة غير المسبوقة التي تتقارب بها الدول وتشكل تحالفات جديدة تشير إلى أن الزلازل الجيوسياسية بدأت فعلاً.
وتختتم الكاتبة بأن قوة الولايات المتحدة وإسرائيل لا تقوم فقط على الواقع العسكري والاقتصادي، بل أيضاً على الوهم النفسي الذي يجعل الحلفاء يظنون أنهم بمأمن من الاستهداف ما داموا ملتزمين بالتحالف. غير أن الضربات الأخيرة كسرت هذا الوهم. وعندما يسقط هذا الغطاء، يصبح كل شيء عرضة لإعادة التفاوض، وتبدأ الفوضى العالمية في التشكل.
https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/sep/15/trump-qatar-india-israel-middle-east-saudi-uae-modi-nato